مقدمة
عيد الشهداء هو احتفال وطني يقام في السادس من شهر مايو من كل عام في سوريا ولبنان. ويعود سبب اختيار هذا التاريخ إلى أحكام الإعدام التي نفذتها السلطات العثمانية ضد عدد من الوطنيين السوريين في بيروت ودمشق بين عامي 1915 و 1917، بعد نهاية الحرب العالمية الأولى. وقد تم اختيار السادس من مايو للاحتفال بهذه المناسبة نظرًا لأن أكبر عدد من الشهداء تم إعدامه في هذا اليوم من عام 1916.
حرب السفربرلك
في عام 1915، قاد جمال باشا الجيش الرابع التركي في محاولة لاحتلال مصر عن طريق عبور قناة السويس، وهذه الحملة أُطلق عليها اسم "حملة ترعة السويس الأولى" أو "حرب السفربرلك". في الليلة الثانية من فبراير/شباط 1915، تم اختراق صحراء سيناء التي كانت تفتقر للطرق المواصلات، ووصلت القوات التركية إلى القناة. وعلى الرغم من بعض السرايا القليلة التي استطاعت اجتياز القناة، فإن الهجوم فشل بشكل كبير، ولم ينج من الجيش الرابع سوى القليل.
وقد تسبب هذا الفشل الذريع في مسؤولية جمال باشا، الحاكم العسكري المطلق على سوريا، في تغيير سلوكه وصب غضبه على القيادات العربية العسكرية والمدنية التي حملها مسؤولية إخفاقه. وبدأ باستبدال الكتائب العربية في بلاد الشام بكتائب غالبية جنودها من الأتراك، وفصل الضباط العرب البارزين من وظائفهم وأرسلهم إلى مناطق بعيدة، واعتقال الزعماء الوطنيين والمفكرين العرب وتعذيبهم حتى الموت. وقد تم إعدام عدد من المناضلين بأحكام عرفية باطلة في عدد من المناسبات كجزء من هذا القمع.
في هذا السياق قام جمال باشا في إعدام مجموعة من المثقفين العرب من مدن مختلفة في سوريا ولبنان. موجها لهم تهمًا متنوعة تتراوح بين التخابر مع الاستخبارات البريطانية والفرنسية للتخلص من الحكم العثماني، إلى العمل على الانفصال عن الدولة العثمانية، والتي يقال إنها لم تكن هي الهدف الحقيقي لجمال باشا. ثم أحال جمال باشا ملفاتهم إلى محكمة عرفية في عاليه في جبل لبنان، حيث أديرت المحاكمة بعيدة كل البعد عن العدل بقسوة شديدة وظلم، وبدون احترام أدنى معايير المحاكمات العادلة والقانونية. وتجاهل جميع النداءات والتدخلات التي طالبت بإطلاق سراحهم، وخصوصًا تلك التي أطلقها الشريف حسين بن علي شريف مكة، الذي أرسل البرقيات إلى السفاح والسلطان والصدر الأعظم، وأوفد ابنه الأمير فيصل بن الحسين إلى دمشق، والذي التقى بالسفاح ثلاث مرات في محاولة لإيقاف حكم الإعدام دون جدوى، حيث كان السفاح قد عقد النية على تنفيذ مخططه الرهيب.
تم تنفيذ حكم الإعدام بالشنق على المثقفين العرب في دفعتين، الأولى في 21 أغسطس/أب 1915 والثانية في 6 مايو/أيار 1916، وذلك في ساحة البرج في بيروت التي أطلق عليها اسم "ساحة الشهداء"، وفي ساحة المرجة في دمشق. ولم يترك جمال باشا السفاح هذه السياسة الفظيعة، واستمر في تنفيذها حتى شعرت الدولة العثمانية بنتائجها السلبية، وتم إزالته من منصبه في سوريا وتعيين جمال باشا المرسيني الملقب بـ"الصغير" خلفًا له.
وفي عام 1921 م، قتل جمال باشا السفاح في مدينة تبليسي على يد أرمني يدعى اسطفان زاغكيان، وذلك بعد أن قاد حملة قمع شديدة ضد الأرمن في الإمبراطورية العثمانية وتسبب في مقتل العديد منهم في ما يعرف بـ"الإبادة الأرمنية".