مقدمة
وُلد فارس الخوري في قرية الكفير التابعة لقضاء حاصبيا في لبنان في عام 1873، وكان من الطائفة المسيحية البروتستانتية. لفت انتباه أبناء جيله في مجال التعليم، وحقق نجاحًا كبيرًا في الكلية السورية "الجامعة الأمريكية اليوم"، وبعد ذلك أصبح مدرسًا في مدارس دمشق. ثم، اتجه إلى مجال الترجمة وعمل كمترجم في القنصلية البريطانية في دمشق. ثم قرر الالتحاق بكلية الحقوق وتخرج منها ليصبح واحدًا من أبرز مدرسي القانون في المنطقة. يجدر الإشارة إلى أن قرية الكفير كانت تابعة لدمشق إبان الدولة العثمانية.
ثائرٌ نادمٌ على ثورته على السلطان
يُعد فارس الخوري من الشخصيات التي دخلت مجال السياسة بانضمامه إلى "جمعية الاتحاد والترقي"، وهي أول حزب سياسي نشأ في ظل الدولة العثمانية، والتي لعبت دورًا كبيرًا في خلع السلطان العثماني. وفي ذلك الوقت، كان الخوري شابًا متحمسًا وثائرا، معارضا للسلطان عبد الحميد، كان هدفه تحسين مستوى التعليم والبريد ورفض الرقابة الأمنية، واشتهر بمعارضته لمسألة فتح المكاتيب ومراقبتها. وفي أعقاب نجاح جمعية الاتحاد والترقي في إزاحة السلطان عبد الحميد، اكتشف الخوري فيما بعد أنه كان ضحية خديعة كبيرة من هذه الجمعية، فانسحب منها وندم على مناصرتها ضد السلطان عبد الحميد. وفي آخر حياته، أعرب الخوري عن ندمه على قصيدته وهجومه على السلطان، وأدرك أن السلطان عبد الحميد كان ضحية لليهود الذين شرعوا في العمل مع الدول الاستعمارية على مناوأته. بعد انسحابه من جمعية الاتحاد والترقي في عام 1912، دخل الخوري في مواجهة معها عندما ترشح لمجلس المبعوثين العثماني "البرلمان العثماني"، وفاز بأغلبية كبيرة على الرغم من محاربة الاتحاديين له.
الخوري خطيبًا على منبر الأموي
كان الخوري يتمتع بمكانة كبيرة في السياسة السورية، وكان يعرف بمواقفه الشجاعة والمبادئ القوية. ومن بين أهم مواقفه كان رفضه للاستمالة التي قدمتها فرنسا للمسيحيين في سوريا، ودعوته لحماية الشعب السوري بأكمله. وهذا يوضح أن الأديان في سوريا تعيش بسلام وتتعايش بشكل جيد، وأن الوحدة والتضامن بين جميع أبناء الوطن هو الطريق الصحيح لحماية البلاد وتطويرها. و يوم من أيام سوريا الثائرة دخل الخوري الجامع الأموي وصعد المنبر وقال مخاطبًا الأئمة: "إذا كانت فرنسا تدعي أنها احتلت سوريا لحمايتنا نحن المسيحيين من المسلمين، فأنا كمسيحي أطلب الحماية من شعبي السوري، وأنا كمسيحي من هذا المنبر أشهد أن لا إله إلا الله"، فأقبل عليه المصلون وحملوه على الأكتاف وخرجوا به في مظاهرةٍ تطوف أحياء دمشق، وخرج المسيحيون من أهل دمشق يومها في مظاهرات حاشدة ملأت دمشق وهم يهتفون "لا إله إلا الله".
الخوري وزيرًا للأوقاف الإسلامية
في عام 1944، تولى فارس الخوري منصب رئيس الوزراء في سوريا واحتفظ بوزارة الأوقاف لنفسه. وقد استقبل هذا القرار بسعادة كبيرة من قبل علماء الدين والدعاة في ذلك الوقت، ولكن بعض أعضاء البرلمان حاولوا الاعتراض على هذا القرار والتلميح بأن الخوري مسيحي. ومع ذلك، تصدى نائب الكتلة الإسلامية في المجلس آنذاك، الشيخ الدمشقي عبد الحميد طباع، لهذه الاعتراضات ودافع عن الخوري ضدها قائلًا: "إننا نؤمّن فارس بك الخوري على أوقافنا أكثر مما نؤمّن أنفسنا".
الخوري في جلسة الاستقلال وموقف لا ينسى على مر الزمان
كان الخوري مندوبا لسورية في الأمم المتحدة وكان حينها ممن ساهم في وضع نظامها وبروتوكولاتها. وفي إحدى الجلسات، طلبت سوريا اجتماعًا للمطالبة برفع الانتداب الفرنسي عن أراضيها. وخلال هذا الاجتماع، دخل الخوري بطربوشه الأحمر وبذلته البيضاء وجلس على مقعد المندوب الفرنسي، مما أثار دهشة السفراء المتوافدين للقاعة. وعندما دخل المندوب الفرنسي ووجد الخوري يحتل مقعد فرنسا، طالبه المغادرة وأشار بأصبعه إلى علم فرنسا الموجود أمامه وإلى مقعد سوريا الفارغ. لكن الخوري لم يتحرك وبدأ بالنظر إلى ساعته وقال بصوت مرتفع: "عشر دقائق، إحدى عشرة دقيقة، اثنتا عشرة دقيقة"، مما أثار استياء المندوب الفرنسي وحاول التهجم على الخوري. وبعد 25 دقيقة من المناقشة، وضع الخوري ساعته في جيبه ووقف مخاطبًا المندوب الفرنسي بصوتٍ يسمعه الجميع قائلا: "سعادة السفير: جلست على مقعدك 25 دقيقةً، فكدت تقتلني غضبًا وحنقًا، وقد احتملت سوريا سفالة جنودكم 25 سنةً، وقد آن لها أن تستقل". وحقاً في نهاية الاجتماع، تحققت رغبة سوريا في الاستقلال بقرار أمميّ.
صوت فلسطين
تم تعيين فارس الخوري كرئيس لمجلس الأمن في عام 1947، وكانت هذه السنة مهمة جدًا بسبب الاحتلال الصهيوني لفلسطين. و ما كان يتم طبخه لإعلان دولة لليهود في فلسطين، كان الخوري يعارض بشدة قرار التقسيم وجميع القرارات المرتبطة به، وكذلك كان يرفض جميع اقتراحات الهدنة التي كانت تخدم مصالح اللوبي الصهيوني. عبارة الخوري الشهيرة التي كان يتكررها باستمرار هي: "لن تحل قضية فلسطين في أروقة مجلس الأمن، ولكنها ستحل على أرض فلسطين".
عبد الناصر سبب خيبته واعتزاله
كان الخوري يعتقد بعد كل ما قدمه لقضايا الأمة أن القيادة المصرية ستقدر دوره وتفانيه في الدفاع عن قضايا مصر أيضا في المحافل الدولية، لذلك سارع إلى الذهاب إلى مصر للتوسط عند جمال عبد الناصر لمنع تنفيذ حكم الإعدام بستة من قادة جماعة الإخوان المسلمين بعد حادثة المنشية الشهيرة. وكان يتحدث مع عبد الناصر بكل رجاء ويعرض عليه التذلل التام لإنقاذ هؤلاء الأبرياء من حبل المشنقة.
ومع ذلك، كان رد عبد الناصر مخيبًا للغاية، مما أدى إلى دخول فارس الخوري في حالة من الاكتئاب والإحباط بعد إعدام قادة الإخوان المسلمين. وبعد ذلك، اعتزل الخوري الحياة السياسية ولم يعد يشارك في أي عمل سياسي أو يعبر عن رأيه في قيام الوحدة مع مصر أو في الانفصال.
https://www.noonpost.com/content/36705
تنويه: بالرغم من كل المجهود الذي تم بذله في عمليات البحث حرصاً منا عل تقديم أدقّ المعلومات التي يحتويها هذا الموقع، و مع أننا في أغلب الأحيان نقوم بذكر المصادر التي تم من خلالها البحث عن المعلومات، لكننا ككادر بشري قائم بأعمال هده الصفحة أو كصفحة "شاميات نت" بحد ذاتها لا نتحمل أي مسؤولية عن أي خطأ أو إنتقاص مهما كانت طبيعته أو عن أي تغيير في المعلومات الموجودة داخل هذا الموقع.