حرفة الموزاييك


            



البداية

يقوم فن حرفة الموزاييك على تطعيم الخشب بجزئيات صغيرة ومختلفة من خشب آخر، أو بالصدف، بحيث تُجمع في القطعة الواحدة قطع عديدة على شكل مربعات أو مثلثات أو صدف لتشكل لوحة فسيفساء أخاذة الجمال. ويعتمد فن الموزاييك على العمل اليدوي بشكل كامل، إذ تمتزج فيه روح الحرفي الفنان والمبدع. تشكيل جميل وخطوط متلاحمة من خشب الورد والليمون والكينا والتوت والسرو تتماوج ألوانها الطبيعية على أرضية من خشب الجوز السوري المتين لتصوغ تاريخاً من الجمال والابتكار، ولتعكس صورة حرفة تقليدية سورية أصيلة.


هذا هو فن الموزاييك الشامي الذي يصنف باعتباره فن التحفة الدمشقية الساحرة. تطور فن الموزاييك على يد حرفي دمشقي مبدع هو جرجي بيطار الذي ابتكر في القرن التاسع عشر طريقة تطعيم الخشب بالخشب، وأنشأ مركزاً لمنجور الموزاييك ضم عشرات من العمال الذين تعلموا هذا الفن الجميل منه، وتخرج في ورشته حرفيون شهيرون، علموا غيرهم في الورشات التي افتتحوها، حتى بلغ عدد الذين يعملون في هذه المهنة بين عامي 1920 و1940 ما يزيد على ألف شخص، وأدى هذا الكم من الحرفيين إلى انتشار منتجات هذا الفن ورواجه تجارياً داخل سوريا وخارجها.

# حرفة الموزاييك في دمشق

يؤكد حرفيو الموزاييك في دمشق أن المعلم جرجي نقل حرفة الموزاييك نقلة كبيرة. كان فناناً بطبعه واستطاع أن يدمج الفن بالعمل اليدوي وبتقنية تداخلت فيها عناصر اللون وجودة الإتقان. بيديه الماهرتين، استطاع أن ينظم الخطوط والأبعاد في قطع الموزاييك ويرفعها إلى مستوى الإبداع النادر.

وكان له الفضل في تعليم المئات من التلاميذ الذين أتقنوا هذه الحرفة وطوروها من بعده، بإدخال الصدف وعظام الحيوانات والعاج في زخارف خشبية.

الفنان الزاهد يعتبر بيطار الفنان الزاهد محطة هامة في انطلاقة الموزاييك. كان الرجل زاهداً وصاحب خيال فني رفيع. وبعد تطويره لهذه الحرفة، أراد أن يدخل سلك الرهبنة المسيحية، لكن رجال الكنيسة رفضوا طلبه، وأقنعوه بأن عمله المبدع يمكن أن يخدم الناس ويرضي الله أكثر.

وهكذا انصرف إلى عمله الفني بقوة، فصنع قطعاً فنية فريدة، بعضها صغير الحجم، وبعضها وصل إلى حد صناعة الأثاث الفاخر للمنازل والمكاتب. وعمل جرجي في تزيين الكنائس في دمشق وفرنسا، وذاع صيته في أوروبا، وشارك في عام 1891 في معرض فيينا، وفي عام 1895 كلفه والي دمشق بإعداد هدية ثمينة لتقديمها إلى السلطان العثماني عبد الحميد، فصنع خمسين قطعة موزاييك وسافر معها إلى استانبول، وقدمها للسلطان الذي أعجب بها كثيراً، فمنحه مبلغاً كبيراً من المال، وقلده وسام المجيدي الخامس وميدالية الافتخار الفضية.

وفي عام 1904 منحته الجمعية الزراعية الخديوية الجائزة الأولى بالمصنوعات الخشبية، كما قدم بيطار (خزانة خشبية) من الموزاييك لبابا الفاتيكان عام 1908، فمنحه الأخير وساماً ذهبياً رفيعاً، وعبر عن إعجابه بفنه الدمشقي الفريد.

تطورت حرفة الموزاييك في الشكل والتلوين، كذلك تطورت الأدوات التي تصنع منه، فلم يعد يقتصر على إنتاج القطع الصغيرة، بل اتجه إلى صناعة المفروشات يدوياً، فأنتج الحرفيون المكاتب وخزائن الكتب والكراسي والقلاطق (الكراسي العريضة) وغرف الاستقبال.

وتعتبر أحياء دمشق القديمة موطن حرفة الموزاييك، لاسيما حي باب توما وحارة القشلة تحديداً، وباب شرقي وحي القيمرية، إضافة إلى بعض الورش القائمة في سوق الحرف التقليدية في مجمع تكية السلطان سليم. وهناك عائلات دمشقية ورثت المهنة أباً عن جد، تعمل في صناعة المفروشات الخشبية المطعمة بالصدف، وأهمها ثلاث عائلات معروفة.

يبلغ عدد الورش العاملة بالموزاييك حالياً حوالي عشرين ورشة، تدفع بإنتاجها إلى سوق الحميدية وإلى سوق الحرف التقليدية، بينما تصدر كميات لا بأس بها إلى الدول الأجنبية وبعض الدول العربية. يمكن مشاهدة هذه المفروشات والخزائن في الأماكن السورية الرسمية كقصر الرئاسة ومجلس الشعب وصالة الشرف في مطار دمشق الدولي ووزارة الخارجية وفي قصور الشام القديمة كقصر خالد العظم السياسي السوري المعروف والراحل، وبيوت السباعي والقوتلي ونظام ومكتب عنبر، حيث تضم هذه البيوت نماذج جميلة ومبهرة من منتجات هذه الحرفة التقليدية.


تتميز منتجات الموزاييك بأنها تتنوع في الأحجام والأشكال والألوان، وتتراوح أسعارها بين الأسعار المعقولة والأسعار الفلكية.

فمن السهل الحصول على قطع صغيرة بأسعار في متناول الجميع، حيث يتراوح سعر علب الهدايا وطاولات الزهر بين 200-2000 ليرة سورية (5-40 دولار أميركي). كما يمكن الحصول على صندوق للمجوهرات بسعر يصل إلى 300 ليرة سورية، وصواني الموزاييك المؤلفة من ثلاث قطع بسعر 400 ليرة سورية.

ومع ذلك، يمكن أن تصل أسعار بعض القطع إلى عدة أضعاف إذا تم تزيينها بالصدف، فمثلاً، يمكن بيع طاولة الزهر العادية بين 400-1000 ليرة سورية، بينما يمكن أن يصل سعرها إلى 10000 ليرة سورية إذا تم تزيينها بالصدف.

ويقول أبو نادر، أحد معلمي الموزاييك، إن ثمن القطعة يتوقف على عدة عوامل، مثل مقدار الجهد الذي يتطلبه إنتاجها وقيمة المواد الداخلة فيها.

أما بالنسبة للمفروشات والمكاتب والخزائن، فإن أسعارها تصل إلى أرقام فلكية، وتصنع عادة بناء على توصية مسبقة.

https://www.alittihad.ae/article/14863/2010/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B2%D8%A7%D9%8A%D9%8A%D9%83-%D9%8A%D8%B5%D9%88%D8%BA-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B4%D8%A8-%D8%A3%D8%B4%D9%83%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%8B-%D9%87%D9%86%D8%AF%D8%B3%D9%8A%D8%A9%D9%8B-%D8%AA%D9%83%D8%AA%D8%B3%D8%A8-%D8%A8%D8%B9%D8%AF%D8%A7%D9%8B-%D8%A5%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D9%8B

تنويه: بالرغم من كل المجهود الذي تم بذله في عمليات البحث حرصاً منا عل تقديم أدقّ المعلومات التي يحتويها هذا الموقع، و مع أننا في أغلب الأحيان نقوم بذكر المصادر التي تم من خلالها البحث عن المعلومات، لكننا ككادر بشري قائم بأعمال هده الصفحة أو كصفحة "شاميات نت" بحد ذاتها لا نتحمل أي مسؤولية عن أي خطأ أو إنتقاص مهما كانت طبيعته أو عن أي تغيير في المعلومات الموجودة داخل هذا الموقع.

  

Total Pageviews